وحصباء أرضها الياقوت والجوهر..
وترابها المسك والزعفران ..
مفروشة بالفُرش الناعمة من السندس والأطاليس والاستبرق في غاية الرقة والنعومة ..
تتشقق في أرجائها الأنهار ، وتجري في وسطها الغدران ..
قال تعالى : ﴿ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ ﴾ ..
وروى الترمذي في جامعه عن علي رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(إنَّ في الجنة لغرفاً يُرى ظاهرها من بطونها ، وبطونها من ظهورها ) ، فقام إعرابي فقال : يا رسول الله لمن هذه الغرف ؟!، قال :
( لمن طيّب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام )..
فهذا هو الثمن فادفعوه ما دمنا في زمن الإمكان ..
أما أعظم نعيم في الجنان فهو ..
التمتع بالنظر إلى وجه الرحمن ..
وهذا مؤكد في السنة و في آيات القرآن ..
قال تعالى : ﴿ وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ،لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ ..
{ فالحسنى } : هي الجنة ..
و{ الزيادة } : هي النظر إلى وجهه الكريم ..
فيا نظرة أهدت إلى الوجوه نضرة *** أضاء لها نورٌ من الفجر أعظم
للهِ أفراح المحبين عندما*** يخاطبهم من فوقهم ويُسلِّم
وللهِ أبصار ترى الله جهرة فلا*** الضيم يغشاها ولا هي تسأم
والذي لا إله إلا هو لقد أخبر الله بهذا ، وأخبر به الذي لا ﴿ يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ ..
سترى ربك ..سترى ربك..
سترى الذي خلقك وصورك ..
سترى الذي كساك وسقاك وأطعمك ..
سترى الذي للإسلام والإيمان هداك ووفقك ..
﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً ﴾ ..
في الصحيحين عن جرير بن عبد الله قال : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر فقال : ( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ) ..
فما هو الثمن ؟؟؟!!!.. فما هو الثمن ؟؟؟!!!..
اسمع رعاك الله ..
ثم قال صلى الله عليه وسلم :
( فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ) ..
فأبشروا يا أهل صلاة الفجر والعصر .. ويا خسارة النائمين.. ويا خسارة المتخلفين ..
فأبشروا يا أهل صلاة الفجر والعصر .. ويا خسارة النائمين.. ويا خسارة المتخلفين..
قال ابن مسعود رضي الله عنه : والله ما منكم من إنسان إلا أن ربه سيخلو به يوم القيامة كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر ..
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : إن أدنى أهل الجنة منزلة مَن ينظر إلى ملكه ألفي عام يرى أدناه كما يرى أقصاه ، وإن أفضلهم منزلة لمن ينظر إلى وجه الله في كل يوم مرتين ... وإن أفضلهم منزلة لمن ينظر إلى وجه الله في كل يوم مرتين ...
وقال الحسن رحمه الله : لو علم العابدون في الدنيا أنهم لا يرون ربهم في الآخرة لذابت أنفسهم في الدنيا ولتقطعت كبودهم كمداً..
عباد الله ..
قال الله جل في علاه : ﴿ مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ ..
ومن دعائه صلى الله عليه وسلم :
( اللهم إني أسألك لذة النظر إلى وجهك ، والشوق إلى لقاءك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة ) ..
اللهم لا تحرمنا لقاءك ، والنظر إلى وجهك يا رب العالمين..
فيا بائعاً هذا ببخس مُعجّل*** كأنك لا تدري ، بلى سوف تعلم
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ*** وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
هذا هو أعظم النعيم ..
وإنَّ أعظم العذاب في النار حرمانهم من النظر إلى وجه الجبار ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴾ ..
هذا هو أقسى عذابهم ..
كما أنَّ أعظم نعيم هو رؤيته جل جلاله ..
أما ما فيها من الثواب والنعيم ..
ففيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون ..
لا يموتون ، لا يمرضون ، لا يهرمون ..
فيها دور وقصور ..
وأنهار وأشجار..
وجنات من نخيل وأعناب ..
حدَّث رسولنا صلى الله عليه وسلم أصحابه يوماً فقال :
( بينما أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امراة تتوضأ إلى جانب قصر ، قلت لمن هذا القصر ؟! قالوا : لعمر بن الخطاب ، فذكرت غيرتك يا عمر فوليت مدبراً ) .. فبكى عمر رضي الله عنه وقال : أعليك أغار يا رسول الله !! ..
وقال بأبي هو وأمي :
( إن للمؤمن في الجنة لخيمةً من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً ، له فيها أهلون ، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً) ..
أما الأشجار..
فقد ذكر الله فيها : ﴿ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ ، وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ ، وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ ، وَمَاء مَّسْكُوبٍ ، وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ، لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ﴾ ..
وروى الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( إنَّ في الجنة لشجرة يسير الراكب الجوّاد المُضَمَّر السريع في ظلها مئة عام لا يقطعها ) ..
أما الثمار..
فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه يوماً وصف بعض ثمر الجنة فقال :
( إنه عرضت علي الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة فتناولت قطفاً من عنب لآتيكم به فحيل بيني وبينه ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينتقصونه )..
لباسهم السندس والاستبرق والحرير..
مجالسهم في ﴿ سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ ، وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ ، وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ، وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ﴾ ..
قال الله جل في علاه : ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ، عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ، تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ، يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَخْتُومٍ ، خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ ..
هذا جزاؤهم ..
وهذا ثوابهم ..
فلطالما تعبت أبدانهم من الجوع والسهر ..
لطالما حفظوا جوارهم عن اللهو والبطر..
لطالما تغنوا بالقرآن وقت السحر ..
ثم أتبعوا ذلك بالدموع والاستغفار والدعاء والذكر ..
فهم ﴿ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ﴾ ..
ينظرون إلى ما أعطاهم الله من الكرامة ..
وينظرون إلى أعدائهم حين يعذبون ..
فيا حسنهم ..
والولدان بهم يحفون ، وبين أيديهم يقفون، وقد أمنوا مما كانوا يخافون ..
يقولون ﴿ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ، فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ، إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ، فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ ﴾ ..
جاء في الحديث القدسي أنَّ الله تبارك وتعالى يقول :
( وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي أمنين ولا خوفين ، من أمنني في الدنيا خوفته في الآخرة ، ومن خافني في الدنيا أمنته في الآخرة )..
فـ ﴿ هُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾ ..
فيا أيها الغافل ..
ربح القوم ..وخسرت ..
وساروا إلى الحبيب مسرعين ..وما سرت..
وقاموا بالأوامر ..وضيعت ما به أُمرت..
هل جاءك من خبر العيون والأنهار التي تجري تحت تلك الدور والقصور ..
فإنها أنهار تجري من تحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم ..
من يشرب من هذه الأنهار شربة لا يظمأ بعدها أبداً ..
وماؤها أشد بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، وأبرد من الثلج ، وأطيب ريحاً من المسك ، لا تنقص بكثرة أجمعين.