كعادتي بين أوراقي مشغول..... جاءتني صغيرتي ... واقتربت... نظرت إليها فرأيتها بابتسامتها الصامتة وعيناها تحدقان بي... فما لبثت إلا أن قالت: أتحبني..؟... صمت وما كان جوابي إلا أن أخذتها وحضنتها في صدري ... وقلت لها : بل أعشقك يا حبيبتي .... فالتفتت لي وقالت : وأنا أحبك يا حبيبي ... فما كان مني بعد سماع هذا منها إلا أن ضممتها مرة أخرى... فقالت وهي بين أحضاني :
- دعني أبوح لك بسر ....
- أخبريني...
- أتكتم ؟
- أعهدتي عني بوح أسرارك ؟
- لا ...
- فقولي إذا....
- أبتاه ... عندما أرحل عنك ستجد ورقة في مكتبي .. أقرأها ولا تخبر أحدا بها....
فنظرت إليه وبحنان قلت لها: ولماذا تتركينني ..يا صغيرتي ..؟..ألا تحبينني... فأجابت: بل أحبك أبتاه.....
- إذا لماذا ترحلين عني ؟...
- هو الموت أبتاه....
أنتفض جسدي وأنا أسمع هذه الكلمة منها "الموت" ضممتها بشدة إلى صدري وكأن أحد يحاول أخذها مني ....وسألتها في دهشة : ماذا تعنين يا صغيرتي .. ولماذا ذكر الموت ؟
قالت: سيأخذني منك الموت ...
قاطعتها : دعك من ذكر الموت فما زلت صغيرة ...
فأجابتني وكأنها كبرت في سنها: عندما رحلت أمي .. ألم أسألك لماذا هي من رحل ... فقلت لي : إن الله عندما يختار أحدا للموت فأنه يموت....
لم أستطع أن أجيبها أخرستني بكلامها وفكري حائر لماذا ذكر الموت .. أما هي فتابعت : والآن سيختارني الله وسأموت ..... قاطعتها بحنان:أسكتي صغيرتي .... اسكتي ... ودعك من ذكر الموت ... ودعيني أخبرك أنك لا تعرفين متى تموتين ...فهذا الأمر لا يعرفه سوى الله ....
- حسنا ... سأسكت ..لكن عدني أن لا تبوح لأحد عما في ورقتي ...
- أعدك ... ولكن الآن أنسي الأمر ...
حل بيننا صمت لم يقطعه سوى قولي : أتودين في الخروج ..؟.. فأجابت :
لا ... لكن دعني أنم في حضنك... أخذتها وأسندت رأسها إلى صدري ... ونامت نومة لم أكن أدري أنها الأخيرة في عمرها ... نامت في حضني .. نامت وعلا وجهها البراءة ..فأخذتها إلى سريرها .. وغطيت جسدها الصغير ...
وبقيت أنا طوال الليل بقربها لم أستطع النوم .. إلا قبل طلوع الفجر ..غفت عيني من شدة التعب ... ونمت ... ولم ييقظني سوى برود يدين حنونتين .. كانتا فوق يدي .. أنهما أنامل صغيرتي .. أخافني برودهما ... ووجها ترتسم عليه ابتسامة طاهر ..تزيح عني كل الهموم كلما رأيتها ..
ناديتها : صغيرتي .. هيا استيقظي . هيا كفاك نوما.
وما من مجيب .. مددت يدي إليها ....فكانت إجابة الليلة الماضية... صغيرتي أمامي ليست سوى جثة هامدة بلا حراك ... أقشعر جسدي .. وعلا صوتي :لا .. لا يمكن .. لا يمكن ..
لم أعرف ماذا أفعل .. لكن الأبوة في قلبي ..شدتني لها .. فأخذتها من سريرها .. وضممتها إلى صدري بشدة .. وبلا تفكير أصبح لساني يحدثها
:حبيبتي ..هيا فقد أشرقت الشمس ..وغردت الطيور .. هيا استيقظي .. لا يمكنك الرحيل من حياتي .. فما زالت الألعاب تنتظرك .. وحلم الطب يناديك .. كل أحلامك تنتظرك ... هيا أفيقي ... صغيرتي .. إذا ساح دمعي من مقلتي فمن يمد أنامله ويمسحها عن وجنتي؟... ومن إذا عدت من عملي ينتظرني عند باب المنزل، ويفتح ذراعيه ليحضنني قبل أن أحضنه .. من..؟ أين سأرى ابتسامتك التي كلما رأيتها ، أحسست بماء يغسل كل همومي من صدري؟ ..أين سأسمع مثل ضحكتك ، ترن في أذني ؟!.. ومن سيقول لي إذا غبت :بابا ..اشتقت لك . حبيبتي .. لم تكوني لي أبنه فقط.. لكنك كنت لي أما ..وصديقه .. وأختا .. رغم عمرك الصغير .. كان قلبك يحمل حنان لم أجده ولن أجده في حياتي ... ولكن الآن رحلت، ورحل معك كل شي ،كل شي .. الأحلام والأمنيات .. فبعدك لا حياة لي .. ولا سعادة .. ولا مستقبل ،فقد كنت الحياة والسعادة والمستقبل..
وأنا في غمرة الصدمة .. شدتني ورقة على مكتبها .. فتذكرت كلامها الليلة الماضية ،فمددت إحدى يدي واليد الأخرى تضمها لصدري،أمسكت بالورقة لأقرأها .. فكانت رسالة منها .. بعثت فيني الأمل .. وهي راحلة عني لم تنسى صغيرتي ...
صغيرتي أحس بأن موعد اللقاء قد اقترب ...
تحياتي